كرامات الشيخ سعد الدين رضي الله عنه :
قال الله تعالى :
{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(15).
وروى سعيد بن جبير أن رسول الله r سئل: من أولياء الله؟ فقال: (الذين يذكر الله برؤيتهم). وقال عمر بن الخطاب، في هذه الآية: سمعت رسول الله r يقول: (إن من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء تغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى). قيل: يا رسول الله، خبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم. قال: (هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطون بها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”15. فالكرامة جائزة عقلاً ونقلاً فالكرامة أمر خارق غير مقترن بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها تظهر الكرامة على يد عبد صالح ملتزم بمتابعة نبي كلف بشريعته مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح والولي ليس بمعصوم لأن العصمة للأنبياء بل هو محفوظ وكرامات الأولياء لاتدخل تحت حصر .فالكرامة علامة على صدق الولي والكرامة حسية ومعنوية فالمعنوية هي حفظ الآداب الشرعية ومكارم الأخلاق وطهارة القلب ومراعاة حقوق الله وهي الأسمى عند الساة الصوفية وأما الحسية فهي المتمثلة في الأمور المادية كالفراسة والكشف والإلهام وإجابة الدعاء وغيرها. كما أن الكرامة تظهر في حياته وكذلك تظهر بعد وفاته دليلاً على صدقه واستمرار مدده ولذا قيل ( من لم تظهر كرامته بعد موته كما كانت في حياته فليس بصادق) والشيخ سعد الدين تتحقق فيه الكرامة المعنوية والحسية فهو الشيخ العارف بربه والمرشد الكامل والإمام المجاهد , ولنذكر نبذة عن بعض كراماته رضي الله عنه :
- يروى أن الشيخ ذهب مرةً لزيارة قطب الأولياء الباز الأشهب الشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني فرحب به وأتحفه وقربه ثم قال له يا سعد الدين من أحبنا جلب لنا الحطب فطلب الشيخ أن يأتوه بالأسباب لجلب الحطب فأحضر له آلة القطع والحزم والدواب اللازمة لذلك فسار الشيخ سعد الدين لجلب ما طلب منه على عجل وبعد أن قطع الحطب وأراد أن يحملهم على الدواب فلم يجدهم وكان الشيخ عبد القادر رضي الله عنه طلب من بعض مريديه أن يخبئوا الدواب امتحاناً للشيخ فلما علم الشيخ سعد الدين بذلك صرخ على السباع والحيات فلما حضروا إليه عقد الحيات كالحبال وحزم الحطب وحمله على السباع ودخل بهم دار السلام فهرب الناس فزعين من هيبة المنظر حتى وصل الشيخ إلى الشيخ عبد القادر وأوصل الحطب إلى أماكنها فقال له الشيخ عبد القادر :
( يا سعد الدين بك سعد الدين وأنت بركة المسلمين ولا ريب أن الولاية خرجت من معدنها ففرق عسكرك من السباع والحيات إلى بواطنها . ) . - قال صاحب عرائس المعاني رحمه الله : روي عن الشيخ الكبير علي الأكحل بن الشيخ سعد الدين أنه قال : لقد منح الله والدي بكرامات لاتعد ولاتحصى وأطاع الله له جنداً كثيراً من الجن كانوا يقومون على طاعته ويتبركون به .
- وروي أن الخليفة الناصر لدين الله العباسي كان له ولد مغرم به فحصل له عارض أرضي فسأل عمن يلاطفه فلم يظفر بأحد فقيل له بأرض الشام رجل يقال له الشيخ سعد الدين له مدد مديد في ذلك فتجهز السلطان بولده وأتى مقيداً إلى الشيخ فلما وصل إلى الشام سأل بعض الناس عن الشيخ فقيل له بأن الشيخ قد انتقل إلى رحمة الله تعالى منذ أيام فتأسف السلطان واستشار بعض أتباعه في الرجوع إلى بلده فقيل له إن بركة الشيوخ عامة وبهم يغاث أصحاب المحن والدعاء وطلبوا منه أن يدخل ولده إلى الضريح لعل بركته تحل عليه فأدخل الخليفة ولده إلى الضريح وأغلق الباب عليه ثم بعد ساعة فتحوا الباب فلم يجدوه ووجدوا السلاسل والقيود في القبة فتشوش السلطان لفقد ولده ثم توجه راجعاً إلى بغداد فلما وصل كان في استقباله ولده وجنود أبيه فلما رآه الأب أغمي عليه فلما أفاق سأل الخليفة ولده عما حدث فأخبره بأنه عندما وضعوه في الضريح وأغلقوا عليه الباب خرج من القبر سبع فصرخ عليّ وقال لي قم فقمت وقد تساقطت عني القيود والأغلال وحملني على ظهره فما شعرت إلا وأنا في فراشي وزال عني ما كنت فيه ثم جهز مالاً جزيلاً بقصد العمارة على الضريح فرأى الشيخ في منامه قائلاً له : لا تبنٍِِ شيئاً ولا تهدم بنائي وتصدق بمالك على الفقراء فتصدق به الخليفة .
- ومن كراماته أنه إذا أخذ العهد على يديه أحد المريدين والتائبين ينقطع عن الذنوب الكبائر وإذا أراد أن يفعل ذنباً يجد الشيخ أمامه كما هو فيمتنع عن الذنب .
- ومن كراماته : أن رجلاً حصل له مرض مزمن وقد عجزت عنه الأطباء فقال لأهله خذوني إلى الشيخ فيطلب من الشيخ أن يسأل الله له الشفاء فقال له اصبر إلى وقت المناجاة في السحر فقال له المريض لا بل ادع لي الساعة فرفع رأسه إلى السماء وكأن السماء قدفتحت لدعائه فعوفي لوقته .
- ومن كراماته : أنه كان في البادية فوجد راعياً على بئر يسقي غنمه فاستعار الشيخ الدلو فأدلى به فوقع في البئر فنظر الراعي إلى الشيخ وقال له : لا خير في المشايخ ولا الفقراء فتبسم الشيخ وقال للراعي : أصلح الله الراعي أما تعلم أن r يقول ( الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة ) وهمّ الشيخ بإخراج الدلو فإذا بالماء يرتفع إلى فم البئر فأخذ الدلو والحبل ودفعه الى صاحبه فلما رأى الراعي ذلك المشهد ترامى على الشيخ فأجابه الشيخ : هون عليك يا أخي والله هذا ليس مني وإنما من الله غيرةً على عباده .
- ومن كراماته : أنه في بعض أسفاره نزل مع أتباعه في مكان يصب فيه ما ساخن فاغتسل الشيخ وأتباعه ثم جلسوا ليتناولوا الطعام فإذا برجل دخل بينهم وتعدى عليهم وبيده سكين فقام نقيب الشيخ وضربه على يده فكسرت ذراعه فقال له الشيخ : قم فاجبر ما كسرت فقام إليه ومسح عليها وبرئت بإذن الله تعالى .
- ومن كراماته : أن امرأة فقدت ولدها وكان أسيراً فطلبت من الشيخ أن يحضر ولدها فأحضره لها في وقت العشاء وأخبر الولد أمه بما رأى من كرامة الشيخ رضي الله عنه
- ومن كراماته : أنه أراد زيارة بيت المقدس وفي الطريق نزل بطرف بلد العرب العصاة وضربوا له خيمة وإذا ببعض جماعته من أهل تلك البلدة أتوه بابنتهم السطيحة ووضعوها أمام الشيخ فقامت تقوم بإذن الله تعالى وهي تقول : لا إله إلا الله كما كان الشيخ يقول رضي الله عنه
- ومن كراماته : أن رجلاً من الجند نزل لزيارة ضريح الشيخ ومعه أمتعته وبينما هو نائم سمع صرخة عظيمة فاستيقظ فإذا بلص جمع أمتعته وأراد الخروج فوقع ملقى كالخشبة وصرخ وعندما أفاق تاب إلى الله ولازم العبادة هو والجندي إلى أن لقيا الله تعالى .
- ومن كراماته أن أهل طريقته يبرؤن من الجنون بإذن الله تعالى وببركته يقول الإمام العلامة الحافظ شمس الدين السخاوي : ( والشيخ سعد الدين من أنفاسه يشفى العاني إذا أصاب نفوساً أي فساداً في العقل ونسله باق بكثرة وفيهم رحمة ومن رحمة الله بهم من كان مخبلاً في عقله يشفى ببركتهم وبركة أسلافهم إخوان خير مالديهم خلل في عقائدهم فهم أهل كتاب وسنة (15).
وقال المحبي: بنو سعد الدين طائفة بالشام معروفون بالصلاح , ومن المشهور في طريقتهم أنهم يبرؤن من الجنون بإذن الله تعالى بنشر يخطون فيه خطوطاً يشربها العليل ويحتمى لشربها عن كل ما فيه روح ثم يكتبون له عند فراغه من شرب النشر حجاباً وفي الغالب يحصل الشفاء على أيديهم [16]. وحكى النجم الغزي عن بعض الأصدقاء أنهم يقصدون بتلك الخطوط التي يكتبونها بسم الله الرحمن الرحيم وهم يتلفظون بها حال الكتابة وأصل هذه الخاصية التي لهم أن جدهم سعد الدين لما كوشف له بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعلي رضي الله عنهما وحصل له ما تقدم ذكره وقال له النبي صلى الله عليه وسلم خذها لك ولذريتك من بعدك إلى يوم القيامة فحصلت البركة له وانتقلت إلى ذريته من بعده(17).
15 خلاصة الأثر للمحبي .
16 كرامات الشيخ نقلاً عن الرسالة العمرية والمحمدية في الرد عن السادة السعدية للشيخ عمر زين الدين السعدي وولده الشيخ محمد شمس الدين وكذلك البهجة الناضرة والوفاء بالعهد للشيخ حمودة الخضري شيخ الطريقة السعدية بمصر .
17 بالنسبة لأخوة الشيخ سعد الدين نقلاً عن الرسالة بقلم الشيخ محمد غازي آغا الحسيني